عدنان شاكر
أول الكلام رعب .. هكذا تكلم الكاتب المسرحي والشاعر الألماني بريخت ، في قصيدته الشهيرة ( رسالة إلى الأجيال المقبلة ) :
حقًا إنني أعيش في زمن أسود !
الكلمة الطيبة لا تجد من يسمعها
الجبهة الصافية تفضح الخيانة
والذي لا يزال يضحك
لم يسمع بالنبأ الرهيب .
لقد عاش بريخت أهوال الحرب الكونية الثانية .. الحرب التي علق على دوافعها المفكر ألدوس هكسلي بالقول ” أن نشأة الحروب ، مرتبطة بظهور زعماء ، يُحسون بالعظمة وتمتلئ روؤسهم بفكرة السيادة الشخصية ، والشهرة وخلود الأسم بعد الموت . ولا تزال فكرة المجد والشهرة الخالدة ، تختمر في روؤس الديكتاتوريين وقادة الحروب ، وتلعب دوراً مهماً في إثارة الحروب حتى في عصرنا هذا ، الذي تُعدّ فيه الاعتبارات الاقتصادية ذات أهمية قصوى “.
الحرب الروسية الأوكرانية أو ( حرب روكرانيا ) إختصار روسيا + أوكرانيا .. قسمت الإعلام العالمي ومواقع التواصل الاجتماعي بين رافض ومؤيد !!
زج الرئيس الأوكراني زيلينسكي بلاده في أتون العسكرة ودار في فلك حلف ” الناتو ” ، وغض الطرف عما ترتكبه أوكرانيا من أفعال في دونباس ترتقي إلى جرائم حرب ، ولكن كل هذا وتحت أي مسمى ، لا يبرر الحرب الشاملة وغزو دولة عظمى لجارة ضعيفة ، كل ذنبها أن شعبها إختار التوجه ثقافيًا وحضاريًا نحو أوروبا .
الإعلام الغربي يتطلع الى مأساة أوكرانيا بعين مازالت تؤرقها تلك الصور المأساوية للحروب التي هزت وجدان وضمير الإنسانية ، مثل صورة الطفلة الفيتنامية ” فانتي كيم ” الهاربة من قصف قريتها بالنابالم من قبل الطيران الأميركي في حرب فيتنام عام ١٩٧٢ . وصورة ملجأ العامرية في بغداد الذي قتل فيه مئات المدنيين من نساء وأطفال في إحدى الغارات الأميركية في شباط ١٩٩١ . وصورة الطفل الأفريقي الذي ينازع الجوع برمقه الأخير ، وبالقرب منه نسر جارح يتربص به للإنقضاض عليه بعد أن يلفظ أنفاسه ، تلك الصورة التي التقطها المصور الشهير كيفين كارتر عام ١٩٩٣ ، والذي انتحر بعدها بثلاثة أشهر بسبب الكآبة الحادة التي أصابته بعد تلك الصورة . أو صورة جثة الطفل السوري إيلان الهامدة على شواطئ البحر المتوسط هرباً من جحيم الحرب باتجاه الغرب الأوروبي عام ٢٠١٧ .
الإعلام الروسي نجح في حرماننا من صورة تهز الوجدان الإنساني حتى كتابة هذه السطور . ونتمنى أن لا نشاهد مجازر على غرار مجزرة غروزني الوحشية التي ذهب ضحيتها عشرات الألوف عام ١٩٩٤ ، ومجزرة قرية ساماشكي غرب الشيشان في نيسان ١٩٩٥ التي راح ضحيتها ثلاث مئة شخص أغلبهم من الأطفال والنساء والطاعنين بالسن ، إرتكبتها وهي بحالة سكر شديد قوات أمون الروسية بقاذفات اللهب على الأقبية التي كانوا يختبئون داخلها من الخوف .
دول العالم الأخرى تراقب وتتابع وتحاول استغلال ظروف الحرب لتحقيق مصالح إستراتيجية ومنافع اقتصادية . وحده الإنسان في أوكرانيا هو الذي يدفع ثمن حسابات نرجسية بوتين وأنانية الناتو .
نحن نعلم
أن كرهنا للانحطاط
يشوه ملامح الوجه
وأن سخطنا على الظلم
يبح الصوت .
آه : نحن الذين أردنا أن نمهد الأرض للمحبة
لم نستطع أن نحب بعضنا بعضا
أما أنتم
فعندما يأتي اليوم
الذي يصبح فيه الانسان صديقا للإنسان
فاذكرونا
وسامحونا .